عن بداية القصة تقول عائشة: فقدت عائلتي في الحرم الشريف، ففي لحظات ما زلت أذكرها جيداً، عندما ابتعدت يدي عن يد أبي، نتيجة لتدافع المعتمرين، وأخذت بالبكاء عندما شعرت بأني وحيدة، وأن أبي تاه عن نظري وسط الزحام، حينها أسرع إلي رجل وأخذني بعيداً، وحاول البحث معي عن عائلتي، لكن دون جدوى، فهدأت قليلاً عندما وجدت نفسي في منزله، وقدمني لزوجته التي لم تنجب، وقال لها إن هذه الطفلة تائهة عن أسرتها، وقرر الزوجان اعتباري ابنتهما، كنت أبكي باستمرار وأطلب بإصرار العودة للبحث عن أسرتي.وتواصل عائشة: أفراد هذه العائلة أحبوني كثيراً، وجعلوني ابنة لهم، وكانوا يخشون أن تعثر علي عائلتي الحقيقية، فكان الرجل يقوم أحياناً بتهديدي عندما أبكي، أو أطلب العودة إلى الحرم الشريف للبحث عن أهلي، حتى أنه كان يحلق شعري لإخفاء ملامحي، وبمرور الوقت نسيت أني لست ابنتهم.ما ان بلغت الرابعة عشرة حتى قام الرجل الذي رباني بتزويجي من رجل يزيد عمره على الستين عاماً، وله أبناء وأحفاد في مثل عمري.. ولم أكن أعلم ما هو الزواج، وما معنى أن أرفض أو أقبل بهذا الزواج.. لكني وافقت وتزوجت هذا الرجل، الذي دفع مهري لأبي، الذي لم يمنحني منه شيئاً، وإنما استفاد هو منه، وانتقلت إلى بيت زوجي، الذي كان متزوجاً بزوجتين قبلي، وقد واجهت مشاكل عديدة معه من ضرب وإهانة، بالإضافة إلى معاملتي كخادمة له ولزوجاته. وقد انتهى زواجي بالطلاق بعد أن أثمر بطفلتين وابن هم أجمل ما في حياتي.
وفور انتهاء العدة أرادني الرجل الذي رباني أن أتزوج رجلاً تقدم لخطبتي.. وهو متزوج من ثلاث غيري، فلما اعترضت بأني لا أريد تكرار التجربة الأولى، قال لي: إنه من الطبيعي أن يتزوجني رجل متزوج ما دام لدي أبناء. ولكني أخبرته بأني أريد أن أبقى بلا زواج لتربية أبنائي، خاصة أنهم ما زالوا صغاراً، لكنه أصر على زواجي، معللاً ذلك بأنه سيطمئن علي أكثر وأنا في ظل رجل يحميني ويحمي أبنائي من تقلبات الأيام، وهكذا تزوجت للمرة الثانية، وزوجي هذه المرة يقل عمره عن الأربعين، ويبدو شاباً متفائلاً ووسيماً، ولهذا أحببته حين رأيته، وتوسمت أن تكون حياتي هذه المرة أسعد حالاً من المرة الأولى.. وأبدى زوجي حباً وحناناً لأبنائي، وعشت في غاية السعادة، وبعدها لاحظت أن زوجي بدأ يتخلى عن واجبه في نفقات البيت، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ ان زوجي كان يحضر إلى بيتي مرة في الأسبوع، ويوزع بقية الأسبوع على بقية الزوجات، وكنت أتخيل أنه سيأتي إلي مشتاقاً وولهاناً لرؤيتي، كما كان يفعل في بداية زواجنا.. غير أنه كان يأتي مرهقاً من العمل ومن مسؤولياته تجاه بقية زوجاته، فكان يقضي أكثر الوقت نائماً، ويصحو لنقضي معاً ساعات بسيطة، ثم ينصرف في اليوم التالي ولا أراه إلا بعد أسبوع، وتكررت تجربة زواجي الفاشلة مع زوجي الثاني، بعد أن أنجبت منه ابنتين، وهذا لم يمنعني من طلب الطلاق منه وكأن الشقاء هو مصيري.وبعد ذلك تزوجت من رجل باكستاني الجنسية، يعمل سائق تاكسي، شملني بعطفه وحبه لأولادي. ظل الأمل يراودني بان اجد اسرتي بعدما مات الرجل الذي رباني، فأصبحت أذهب بشكل يومي إلى الحرم الشريف، وأجلس هناك إلى أن تغيب الشمس لعلني أجدهم في حرم المسجد.وفي أحد الأيام جلست عند صديقة لي تقيم بالقرب من الحرم، والتي كانت تشكو من خروج شقيقها المستمر من المنزل واختفائه لبضعة أيام، نتيجة تعرضه لأزمة نفسية، فأردت أن أخفف عن صديقتي، فأخبرتها أن مصيبتها أقل بكثير من مصيبة الآخرين، ورويت لها قصة أسرتي التي تهت عنها منذ ثلاثين عاماً، ولم أكن أعلم أن هذا الحوار سيكون هو السبب في عودتي إلى أسرتي، فمن الصدفة أن هذه الصديقة هي أيضاً صديقة لأختي، وهذا ما جعلها تتذكر حوارها مع أختي الشقيقة. فقبل خمسة أعوام ذكرت لها أختي قصة مشابهة عن اختفاء أخت لها منذ ثلاثين عاماً، فأسرعت صديقتي إلى الهاتف واتصلت بشقيقتي وروت لها ما حدث، انفعلت وطلبت أختي من صديقتي التحقق من وجود جرح في حاجبي الأيسر، بالإضافة إلى علامة مميزة أخرى وهي تشوه كبير في الأذن.كانت المفاجأة المثيرة عندما عثرت صديقتي على العلامات.أصبت بتوتر شديد، وتحدثت مع أختي عبر الهاتف، ورويت لها قصتي، ووصفت لها علامات مميزة بوجهي.تحدد يوم اللقاء بيني وبين أختي وباقي الأسرة، وجاء الموعد المرتقب، وذهبت إليهم مع زوجي، وعند دخولي من باب المنزل ارتميت في حضن والدي الذي انهمر في بكاء عميق، وهو يقول: أخيراً عثرت على ابنتي الغائبة عن المنزل منذ ثلاثين عاماً، بعدما ظننت أني لن أراها أبداً.أخيراً ابتسمت لي الدنيا، عدت إلى أعز الناس، لدي شقيقاتي ووالدي وبيتي، استجاب الله لدعائي، فلم يشأ أن أظل بلا هوية، وأن أعيش باسم ليس اسمي، ومع أسرة ليست أسرتي، وأيضاً تصححت الأوضاع، حيث بدأت أسرتي باتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح اسمي.
تحياتي الكم
الدلوعة